أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

عيد الفطر في المغرب l احتفالية روحية واجتماعية توارثتها الأجيال

العيد الصغير في المغرب

 عيد الفطر  أو "العيد الصغير" في المغرب.. احتفالية روحية واجتماعية توارثتها الأجيال

بعد أيام صيام وعبادة، يحل عيد الفطر في المغرب حاملاً معه فرحة غامرة لا يعرفها إلا من عاش أجواءه. تبدأ ملامح البهجة تظهر مع اقتراب الشهر الكريم من نهايته، حيث تتحول المدن والقرى المغربية إلى لوحة فسيفسائية زاخرة بالألوان والروائح والأصوات، تتناغم فيها الروحانيات مع التقاليد العريقة في تناغم بديع. هذا العيد الذي يطلق عليه المغاربة اسم "العيد الصغير" ليس مجرد مناسبة دينية عابرة، بل هو محطة سنوية هامة في حياة المغاربة، تمثل منعطفاً يؤرخ لعلاقة الإنسان المغربي بربه، وبأسرته، وبمجتمعه. فمنذ الفجر، تبدأ طقوس العيد التي توارثتها الأجيال، حيث يمتزج الخشوع في الصلاة مع بهجة اللقاءات العائلية، والفرح بختام شهر الصيام مع التكافل الاجتماعي. في هذه الأجواء الاستثنائية، يبدو وكأن الزمن يتوقف ليعيد المغاربة اكتشاف ذواتهم من جديد، حيث تذوب الفوارق الاجتماعية، وتتجدد أواصر القربى، وتعود الذكريات الجميلة إلى السطح. إنه العيد في المغرب، حيث تصبح الروحانيات ملموسة في كل تفصيل، من أصوات التكبيرات التي تملأ الأجواء، إلى روائح الحلويات المعطرة التي تفوح من كل بيت، إلى الأزياء التقليدية الزاهية التي تزين الشوارع والساحات.

الاستعدادات.. بين الأزياء التقليدية والحلويات الشهية

العيد الصغير في المغرب

تبدأ التحضيرات للعيد قبل أيام من حلوله، حيث تتحول الأسواق الشعبية إلى خلية نحل. يهرع المغاربة لاقتناء الأزياء التقليدية الجديدة، فالجلابيب المطرزة والقفاطين الفاخرة تحتل الصدارة في قوائم الشراء. أما الأطفال فيحظون باهتمام خاص، حيث يحرص الأهل على تجهيزهم بأبهى الحلل لاستقبال العيد.

في المطابخ المغربية، تدب الحياة مع تحضير أصناف الحلويات التقليدية التي لا تكتمل فرحة العيد بدونها. الغريبة الذهبية تتصدر الموائد، تليها الفقاص المقرمش وكعب الغزال المعطر بماء الزهر. ولا تخلو المنازل من أصناف المكسرات والفواكه المجففة التي تزين الموائد وتضفي بهجة خاصة على المناسبة.

صباح العيد.. بين الخشوع والبهجة

العيد الصغير في المغرب

مع بزوغ فجر يوم العيد، تبدأ المدن المغربية بالاستيقاظ على وقع التكبيرات. يتوجه المغاربة إلى المساجد والمصليات بأعداد غفيرة، مرتدين أجمل ثيابهم، حاملين معهم عطورهم التقليدية التي تعبق في أرجاء أماكن الصلاة.

تختلف مواقيت صلاة العيد بين السادسة والنصف والثامنة صباحاً حسب المناطق، وفق توجيهات وزارة الأوقاف. بعد الصلاة، تتحول ساحات المساجد إلى لوحات إنسانية رائعة، حيث يتبادل المصلون التهاني والعبارات الطيبة، في مشهد يعكس قيم المحبة والتآخي.

صلة الرحم.. نسيج اجتماعي متين

يعتبر العيد في المغرب فرصة ذهبية لتعزيز الروابط الأسرية. يهرع الكثيرون إلى مدنهم الأصلية، حيث تتحول محطات القطار والحافلات إلى أماكن تعج بالحركة والنشاط. في المقابل، تشهد المدن الكبرى هدوءاً غير معتاد، حيث تغلق العديد من المحلات أبوابها مؤقتاً.

تبدأ جولات الزيارات العائلية بعد الصلاة، حيث تتحول المنازل إلى صالونات للفرح والبهجة. الكبار يوزعون "العيديات" على الصغار، والزوجات يتلقين الهدايا تقديراً لجهودهن. الجيران يتبادلون الزيارات، والأصدقاء القدامى يتجمعون بعد طول غياب.

الجنوب الشرقي.. حيث تتعانق التقاليد الأمازيغية مع روح العيد

في المناطق الأمازيغية، خاصة الجنوب الشرقي، تأخذ الاحتفالات طابعاً مميزاً. تبدأ الطقوس بوجبة "بركوكس ن وودي" التقليدية المكونة من القمح والسمن البلدي، قبل التوجه إلى المصليات.

ما يميز هذه المناطق هو كرم الضيافة غير المحدود، حيث تفتح المنازل أبوابها للجميع دون استثناء. بعد وجبة الغذاء التقليدية المتمثلة في الكسكس، يجتمع السكان في الساحات العامة لمناقشة شؤون القرية، من مساعدة المحتاجين إلى حل الخلافات العائلية.

تختتم الاحتفالات بحلقات "أحيدوس" الفلكلورية، حيث تتداخل الأهازيج التقليدية مع دقات الدفوف في مشهد بهيج يختزل أصالة التراث المغربي.

لماذا العيد الصغير؟

يطلق المغاربة على عيد الفطر اسم "العيد الصغير" تمييزاً له عن عيد الأضحى الذي يسمونه "العيد الكبير". هذا التمييز يعود لأسباب عدة، أهمها أن احتفالات عيد الأضحى تستمر لأيام أطول، كما أن طقوس الأضحية تحتل مكانة خاصة في الثقافة المغربية.

ختاما.. عيد يجدد الروابط

يمثل عيد الفطر في المغرب أكثر من مجرد مناسبة دينية، فهو احتفال بالهوية والانتماء، وجسر يعبر فوق هموم الحياة اليومية. من شراء الملابس الجديدة إلى تبادل الزيارات، ومن الصلاة الجماعية إلى الاحتفالات الشعبية، تبقى قيم التضامن والتآخي هي الجوهر الذي توارثه المغاربة أباً عن جد.

في زمن العولمة والتغيرات السريعة، تظل هذه التقاليد العريقة صامدة، شاهدة على أصالة شعب يحافظ على هويته بينما ينفتح على العالم. العيد في المغرب ليس يوماً أو يومين، بل هو فلسفة حياة تختزل قيماً إنسانية راقية تزداد رسوخاً مع مرور الأيام.

تامغربيت
تامغربيت
تامغربيت... منصة الكترونية تفاعلية تضم محتوى مرئي متنوع يتناول تاريخ واقتصاد وسياحة المملكة المغربية وانجازات المغاربة في مجالات متعددة وكافة الأنشطة التي تنبض بالحياة.
تعليقات