أصل القراءة المغربية: امتداد علمي لقراءة ورش عن نافع
تعود القراءة المغربية إلى رواية ورش عن نافع، وهي إحدى أشهر القراءات القرآنية في العالم الإسلامي. دخلت هذه الرواية إلى المغرب في عهد الدولة الإدريسية (القرن الثاني الهجري)، حيث تبناها العلماء والفقهاء المغاربة، ثم ترسخت أكثر في عهد الدولة المرابطية والموحدية، لتصبح القراءة الرسمية للقرآن الكريم في البلاد.
وما ميّز القراءة المغربية أنها لم تقتصر فقط على النقل عن ورش، بل تطورت بأسلوبها الخاص، حيث تم ضبط قواعدها وأدائها بما يتناسب مع طبيعة اللسان المغربي والنغم الموسيقي المميز في التلاوة. وبذلك، صارت جزءًا من هوية المغاربة الدينية، يُدرّس بها القرآن في المساجد والمدارس العتيقة، ويتم تحفيظها في الكتاتيب القرآنية المنتشرة في مختلف ربوع المملكة.
خصائص القراءة المغربية في القرآن الكريم
تتميز القراءة المغربية بعدة خصائص تجعلها فريدة ومتميزة عن باقي القراءات، من أبرزها:
- الوقف والابتداء : يتميز أهل المغرب بطريقة خاصة في الوقف على الكلمات، تراعى فيها قواعد التجويد الدقيقة، مع التركيز على إعطاء المعاني حقها دون إخلال بالسياق.
- الأداء الصوتي : تعتمد القراءة المغربية على نغمة خاصة ذات طابع موسيقي هادئ، يجمع بين الرزانة والخشوع، مما يضفي على التلاوة روحانية عميقة.
- الضبط والرسم العثماني : يلتزم المغاربة في مصاحفهم الرسمية، خصوصًا "المصحف المحمدي"، برسم المصحف العثماني وفق رواية ورش عن نافع، مع علامات ضبط دقيقة تسهل القراءة الصحيحة.
- النقاط والحركات : يتميز الخط المغربي المستخدم في المصاحف بدقة علامات التشكيل، مما يسهم في المحافظة على النطق الصحيح للآيات.
أبرز علماء القراءة المغربية عبر التاريخ
ساهم العديد من العلماء والقراء المغاربة في ترسيخ هذه القراءة وتطويرها، ومن أبرزهم:
- أبو عمرو الداني (ت 444 هـ): أحد كبار علماء القراءات والتجويد، وقد ساهم في توثيق وضبط رواية ورش عن نافع.
- ابن بري (ت 730 هـ): له جهود كبيرة في شرح وضبط أصول الرواية المغربية.
- المختار السوسي (ت 1963 م): عالم مغربي اهتم بتدوين التراث الديني واللغوي للبلاد، وكان له دور في نشر علوم القراءة والتجويد.
القراءة المغربية في العصر الحديث وتأثيرها على العالم الإسلامي
لا تزال القراءة المغربية تحظى بمكانة رفيعة في المغرب وخارجه، حيث يتم تدريسها في الجامعات الإسلامية الكبرى مثل جامعة القرويين بفاس وجامعة ابن يوسف بمراكش. كما أن العديد من القرّاء المغاربة أصبحوا من أشهر المقرئين في العالم الإسلامي، مثل الشيخ عبد الرحمن بن موسى والشيخ عمر القزابري.
بالإضافة إلى ذلك، تحظى المصاحف المغربية باحترام كبير، ويتم توزيعها في العديد من الدول الأفريقية والإسلامية، نظرًا لدقتها في الرسم والضبط.
تظل القراءة المغربية في القرآن الكريم رمزًا للهوية الدينية والثقافية للمغرب، حيث تعكس تاريخه العريق وارتباطه الوثيق بالقرآن الكريم. وبفضل جهود العلماء والفقهاء المغاربة، تستمر هذه القراءة في الحفاظ على أصالتها وانتشارها، مما يجعلها إحدى الركائز الأساسية في المشهد القرآني العالمي.
لا تقرأ وترحل، يمكنك ترك تعليق جميل