قصيدة البراقية من الملحون المغربي: للشاعر أيوب المكي الفاسي بصوت سفير الملحون سعيد المفتاحي
فن الملحون يُعد واحدًا من أبرز المكونات الثقافية والفنية في التراث المغربي الأصيل. وهو بمثابة ذاكرة فنية غنية تعكس تنوع وأصالة الموروث المغربي العربي الأندلسي. من بين روائعه، تأتي قصيدة "البراقية" للشاعر المبدع أيوب المكي الفاسي، والتي اكتسبت شهرة واسعة بصوت الفنان القدير وسفير الملحون سعيد المفتاحي. تشكل هذه القصيدة تجسيدًا للمعاني العميقة لهذا الفن العريق.
فن الملحون: تراث مغربي أصيل
فن الملحون هو أحد أبرز أعمدة التراث الثقافي المغربي، ويمثل نوعًا فريدًا من الشعر الغنائي الذي يجمع بين الأصالة والابتكار. يعتمد الملحون على اللهجة العامية المغربية، لكنه يستمد قوته وأصالته من اللغة العربية الفصحى، ليكون وسيلة تعبير غنية بالمضامين التي تشمل التوسلات الإلهية، مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وصف جمال الطبيعة، التعبير عن العشق، الهجاء، والرثاء.
ظهر هذا الفن خلال العصر المريني (القرن 13-15 الميلادي) في سياق اجتماعي وثقافي متميز، حيث كان أداة للتعبير عن قضايا المجتمع وأحاسيس الأفراد. وقد ساعد الملحون في توثيق جوانب الحياة اليومية للمغاربة، بما في ذلك العادات والتقاليد والقيم. مع مرور الزمن، تطور هذا الفن ليعكس التحولات الاجتماعية والسياسية، كما أصبح أداة مهمة لنقل المعرفة والحفاظ على الهوية الثقافية.
يتميز الملحون بتراكيب شعرية معقدة تتضمن صورًا بلاغية غنية وموسيقى متناغمة. وتُلقى قصائده بأسلوب غنائي يخلق تفاعلًا عاطفيًا قويًا بين المنشد والجمهور، مما يضفي على هذا الفن عمقًا روحانيًا وإبداعيًا. وهو ما جعله يحظى بمكانة خاصة بين الفنون المغربية التقليدية، حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من التراث الوطني المغربي.
قصيدة البراقية: جمال الإبداع الشعري
قصيدة "البراقية" للشاعر أيوب المكي الفاسي تُعد نموذجًا فريدًا في أدب الملحون المغربي. تتمحور القصيدة حول رحلة الإسراء والمعراج، حيث يصف الشاعر مشهد الركوب على البراق والمعاني الروحانية العميقة التي تحيط بالحادثة. تتميز القصيدة بأسلوبها الشعري الأخاذ الذي يجمع بين الصور البلاغية الدقيقة والمعاني العاطفية المؤثرة.
يمزج الشاعر في قصيدته بين الإبداع الأدبي والغنى الروحي، معتمدًا على تراكيب لغوية ساحرة تأسر المستمع. كما أن القصيدة تحمل رسالة دينية سامية تنقل للمستمع أبعادًا إيمانية مفعمة بالإلهام.
سعيد المفتاحي: سفير الملحون
الفنان سعيد المفتاحي يُعتبر أحد أبرز أعلام فن الملحون في المغرب. يتميز بحنجرته الذهبية التي أضفت على قصيدة "البراقية" بُعدًا جديدًا من الروعة. فهو لا يُعد فقط مُنشِدًا، بل أيضًا حافظًا لتراث الملحون وناقلًا له للأجيال الجديدة. عمل سعيد المفتاحي على تقديم الملحون في قالب متجدد يجمع بين أصالة النصوص وروح العصر، مما أكسبه لقب "سفير الملحون".
أداؤه لقصيدة "البراقية" يُظهر براعته في نقل الأحاسيس العميقة والكلمات الرفيعة، حيث يستحضر المستمع أجواء الإسراء والمعراج كأنها تنبض أمامه. وقد لاقت هذه الأداءات استحسانًا واسعًا من قبل محبي الفن التراثي.
أهمية الملحون في الحفاظ على الهوية الثقافية
لا يمكن الحديث عن فن الملحون دون الإشارة إلى دوره المحوري في صيانة الهوية الثقافية المغربية. فالنصوص الشعرية التي يتضمنها الملحون تحمل بين طياتها ذاكرة المجتمع المغربي، بأفراحه وأحزانه، بقيمه الدينية وأعرافه الاجتماعية. كما يعكس الملحون التنوع الثقافي واللغوي الذي يميز المغرب، حيث استطاع أن يدمج بين العناصر الأمازيغية والعربية في قالب شعري متناسق.
إلى جانب ذلك، لعب الملحون دورًا تعليميًا واجتماعيًا مهمًا، حيث كانت نصوصه تُستخدم في نقل القيم الأخلاقية والتوجيهات الدينية، مما جعله أداة فعالة للتواصل الثقافي بين الأجيال. كما ساهم في تعزيز الإبداع الفني وتوثيق الأحداث التاريخية الكبرى، ما يجعله أحد أهم أدوات التعبير الثقافي التي تميز المغرب على مر العصور.
تأثير الملحون في العالم العربي
رغم أن فن الملحون يُعتبر فنًا مغربيًا بامتياز، إلا أن تأثيره وصل إلى مختلف الدول العربية. ويُرجع ذلك إلى تداوله بين الجاليات المغربية في الخارج، فضلًا عن انبهار الشعوب العربية الأخرى بجمالياته. على سبيل المثال، نُظمت العديد من الفعاليات الثقافية في دول مثل فرنسا وبلجيكا ودول الخليج، حيث قدم الفنانون المغاربة عروضًا متميزة لقصائد مثل "البراقية"، التي جذبت اهتمامًا واسعًا بفضل أسلوبها الشعري الغني وأدائها الموسيقي الفريد.
وقد ساهمت تسجيلات الفنان سعيد المفتاحي في انتشار "البراقية" تحديدًا، حيث تم تقديمها في مهرجانات موسيقية كبرى مثل "مهرجان الموسيقى الروحية" في فاس، مما أتاح لجمهور عالمي التعرف على هذا الفن المغربي الأصيل. من خلال هذه الجهود، نجح الملحون في تجاوز الحدود الجغرافية ليصبح جزءًا من التراث الثقافي الإنساني.
قصيدة "البراقية" تُعد مرآة تعكس جماليات فن الملحون المغربي وعمقه الثقافي. من خلال الجمع بين النصوص الشعرية الرفيعة والأداء الإنشادي المتميز، استطاع هذا العمل أن يُخلد ذكرى هذا التراث العريق ويبرز مكانته بين الفنون العالمية. يبقى فن الملحون شاهدًا حيًا على غنى الموروث الثقافي المغربي وثرائه.
المصادر:
المركز الوطني للفنون المغربية: دراسات عن الملحون وتاريخه.
مقابلات مع الفنان سعيد المفتاحي على القنوات الوطنية.
مقالات أكاديمية حول أدب الملحون وتأثيره في الثقافة المغربية.
تسجيلات قصيدة "البراقية" من أرشيفات الإذاعات المغربية.
0 تعليقات